كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال له: يا أبتاه حدها فإنه أهون للموت.
فانطلق به، حتى أتى به جبلًا من جبال الشام.
فأضجعه في أصرة، وربط يديه ورجليه، فقال له إسحاق: يا أبتاه شدّ رباطي، لكي لا أضطرب، فيصيب الدم ثيابك، فتراه سارة، فتحزن، فبكى إبراهيم بكاء شديدًا.
وأخذ الشفرة، فوضعها على حلقه، وضرب الله تعالى على حلقه صفيحة نحاس، فجعل يحز، فلا تصنع شيئًا.
فلما رأى إبراهيم ذلك، قلّبه على وجهه، فضرب الله تعالى على قفاه صفيحة نحاس، وبكيا حتى ابتلت الأرض من دموعهما.
فجعل يحز، فلا تقطع شيئًا فنودي: {أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} ودونك هذا الكبش فهو فداه.
فالتفت فإذا هو بكبش أبيض، أملح، ينحط من الجبل، وقد كان رعي في الجنة أربعين خريفًا، فخلّى عن ابنه، وأخذ الكبش فذبحه.
وقال وهب بن منبه: لما قال لإسحاق: {السعى قَالَ يا بنى إِنّى أرى في المنام أَنّى أَذْبَحُكَ فانظر مَاذَا ترى قَالَ يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ} ثم قال: يا أبت إني أوصيك بثلاثة أشياء.
قال: وكان إسحاق في ذلك اليوم ابن سبع سنين.
أحدهما: أن تربط يدي لكيلا أضطرب فأؤذيك، والثاني أن تجعل وجهي إلى الأرض لكيلا تنظر إلى وجهي فترحمني، والثالث أن تذهب بقميصي إلى أمي ليكون القميص عندها تذكرة مني.
فذلك قوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى قَالَ يا بنى إِنّى أرى في المنام أَنّى أَذْبَحُكَ فانظر مَاذَا ترى} قرأ حمزة والكسائي {مَاذَا ترى} بضم التاء.
يعني: ماذا ترى من صبرك.
ويقال: معناه ماذا تشير.
وقرأ الباقون بالنصب، وهو من الرأي.
يعني: ماذا ترى من صبرك.
ويقال: معناه ماذا تشير فيما أمر الله به.
ويقال: هو من المشورة والرأي قال أبو عبيد: بالنصب تقرأ لأن هذا في موضع المشورة والرأي، والآخر يستعمل في رؤية العين {قَالَ يَاءادَمُ يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين} على الذبح.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} يعني: اتفقا على أمر الله تعالى.
قال قتادة: أسلم هذا نفسه لله تعالى. وأسلم هذا ابنه لله تعالى.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ: {فَلَمَّا أسلاما وتله للجبين} يعني: رضيا {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} يعني: صرعه على جبينه. أي: على وجهه.
وقال القتبي {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} يعني: جعل إحدى جبينيه على الأرض، وهما جبينان، والجبهة بينهما {وناديناه أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} وقال القتبي: الواو زيادة.
ومعناه: فلما أسلما وتله للجبين ناديناه وهذا كما قال امرىء القيس:
فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَة الحَيِّ وانْتَحَى ** بِنَا بَطْنُ خَبْت ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ

يعني: انتحى، والواو زيادة.
وقال بعضهم: في الآية مضمر.
ومعناه {فَلَمَّا أَسْلَمَا} سلما {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} وذكر عن الخليل بن أحمد أنه سئل عن هذه الآية: فقال: ليس لنا في كتاب الله عز وجل متكلم.
فقيل له: فما مثله في العربية.
فقال: قول امرىء القيس فلما أجزنا، ساحة الحي أجزنا وانتحى بنا.
كذلك قوله: {أَسْلَمَا} سلما {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}.
{وناديناه أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} يعني: أوفيت الوعد، وائتمرت ما أمرت لقول الله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} كما فعلت يا إبراهيم.
قوله: {إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} يعني: الاختبار البيّن.
ثم قال: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} يعني: بكبش عظيم.
والذبح بكسر الذال اسم لما يذبح، وبالنصب مصدر.
وروي عن ابن عباس أنه قال: حدثني من رأى قرني الكبش، معلقين في الكعبة، وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم عن إسماعيل عليهما السلام.
ثم قال: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الاخرين} قال: الثناء الحسن {سلام على إبراهيم} يعني: سلام الله على إبراهيم.
ويقال: هذا موصول بالأول.
يعني: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الاخرين سلام على إبراهيم} يعني: أثنينا عليه السلام في الآخرين.
قوله: {كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} يعني: المصدقين، المخلصين.
ثم قال عز وجل: {وبشرناه بإسحاق نَبِيًّا مّنَ الصالحين} يعني: بشرناه بنبوة إسحاق بعدما أمر بذبح إسحاق.
وقال ابن عباس: بشر بإسحاق بعدما أمر بذبح إسماعيل.
وكان إسماعيل أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة.
ثم قال عز وجل: {وباركنا عَلَيْهِ وعلى إسحاق} أي: على إبراهيم وعلى إسحاق، وبركته النماء، والزيادة في الأموال، والأولاد، فكان من صلبه ذرية لا تحصى {وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} مثل موسى، وهارون، وداود، وسليمان، وعيسى عليهم السلام ومؤمنو أهل الكتاب {وظالم لّنَفْسِهِ مُبِينٌ} يعني: الذين كفروا بآيات الله عز وجل.
وروي عن ابن عباس أنه قال: قد رعي الكبش في الجنة أربعين خريفًا.
وقال بعضهم: هي الشاة التي تقرب بها هابيل ابن آدم عليهما السلام فتقبل منه قربانه، ورفع إلى السماء حيًا، ثم جعل بدلًا عن ذبح إسماعيل أو إسحاق.
ويقال: هي الشاة التي خلقها الله تعالى لأجله.
وقال بعضهم: إنها وعلة من البر، يعني: بقرة وحش من البر جبلية.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وهارون} يعني: أنعمنا عليهما بالنبوة {ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا مِنَ الكرب العظيم} يعني: من الغرق {ونصرناهم} يعني: موسى، وقومه، {فَكَانُواْ هُمُ الغالبون} بالحجة على فرعون {وءاتيناهما} يعني: موسى وهارون {الكتاب المستبين} يعني: المبين الذي قد بيّن فيه الحلال والحرام {وهديناهما الصراط المستقيم} يعني: ثبتناهما على دين الإسلام {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا في الاخرين} يعني: الثناء الحسن في الباقين {سلام على موسى وهارون} يعني: السلامة منا، والمغفرة عليهما {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} أي: نكافىء المحسنين {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} يعني: من المرسلين.
قوله عز وجل: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين} يعني: نبي من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام وقال بعضهم: إنه إدريس.
وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ {وَأَنْ إِدْرِيسَ لَمِنَ المرسلين سلام على إِدْرِيسَ}.
وقال بعضهم: إلياس هو الخضر عليه السلام.
وقال بعضهم: إلياس غير الخضر.
وإلياس صاحب البراري. والخضر صاحب الجزائر، ويجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات ويقال: هو من سبط يوشع بن نون، بعثه الله تعالى إلى أهل بعلبك، فكذبوه، فأهلكهم الله تعالى بالقحط.
وقال الله عز وجل لإلياس: سلني أعطك قال: ترفعني إليك فرفعه الله تعالى إليه، وجعله أرضيًا، سماويًا، إنسيًا، ملكيًا، يطير مع الملائكة، فذلك قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الأمر.
يعني: اتقوا الله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ} ربًّا.
روى عكرمة عن ابن عباس قال: البعل الصنم.
وقال مجاهد: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ} ربًا.
وروى جبير عن الضحاك قال: مرّ رجل وهو يقول: من يعرف بعل البقرة فقال رجل أنا بعلها فقال له ابن عباس إنك زوج البقرة.
فقال الرجل: يا ابن عباس أما سمعت قول الله تعالى يقول: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} يعني: ربًا وأنا ربها ويقال: البعل كان اسم ذلك الصنم خاصة الذي كان لهم.
ويقال: كان صنمًا من ذهب، فقال لهم: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} أي الصنم {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين} الذي خلقكم يعني: تتركون عبادة الله {الله رَبُّكُمُ} قرأ حمزة والكسائي، وعاصم، في رواية حفص {الله رَبُّكُمُ} {وَرَبُّ ءابَائِكُمُ} كلها بالنصب.
وقرأ الباقون كلها بالضم.
فمن قرأ: بالنصب يرده إلى قوله: {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ} على صفة أحسن الخالقين.
ومن قرأ بالضم، فهو على معنى الاستئناف. فكأنه قال: هو الله ربكم ورب آبائكم الأولين.
ثم قال عز وجل: {فَكَذَّبُوهُ} يعني: كذبوا إلياس {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} يعني: هم وآلهتهم لمحضرون النار {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} فإنهم لا يحضرون النار {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الاخرين} يعني: الثناء الحسن {سلام على إِلْ يَاسِينَ} قرأ نافع، وابن عامر، {سلام على إِلْ يَاسِينَ} وقرأ الباقون: {إلْيَاسِين}.
ومن قرأ {على إِلْ يَاسِينَ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم ويقال: آل محمد.
فياسين اسم والال مضاف إليه، وآل الرجل أتباعه.
وقيل: أهله.
ومن قرأ {الياسين}، فله طريقان أحدهما أنه جمع إلياس.
ومعناه: إلياس، وأمته من المؤمنين.
كما يقال: رأيت المهالبة.
يعني: بني المهلب.
والثاني أن يكون لقبان إلياس والياسين مثل ميكال وميكائيل.
ثم قال: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} وقد ذكرناه.
قوله عز وجل: {وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ المرسلين}.
قوله: {إِذْ نجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِين إِلاَّ عَجُوزًا في الغابرين ثُمَّ دَمَّرْنَا الاخرين} وقد ذكرناه.
ثم قال عز وجل: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ} يعني: إنكم يا أهل مكة لتمرون على قرياتهم، إذا سافرتم بالليل والنهار، فذلك قوله: {وباليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين} يعني: من جملة المرسلين {إِذْ أَبَقَ} يعني: إذ فرّ.
ويقال: إذ هرب.
ويقال: خرج {إِلَى الفلك المشحون} يعني: المُوقد من الناس، والدواب.
ويقال: المجهز الذي قد فرغ من جهازه {فساهم} يعني: اقترعوا وقد ذكرت قصته في سورة الأنبياء {فَكَانَ مِنَ المدحضين} يعني: من المقروعين والمدحض في اللغة هو المغلوب في الحجة، وأصله من دحض الرجل إذ ذلّ من مكانه.
قوله: {فالتقمه الحوت} يعني: ابتلعه الحوت {وَهُوَ مُلِيمٌ} قال أهل اللغة: المليم الذي استوجب اللوم، سواء لأمره، أو لا.
والملوم الذي يلام، سواء استوجب اللوم أو لا.
ويقال: وهو ملوم يعني: يلوم نفسه {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} قال مقاتل والكلبي: لولا أنه كان من المصلين قبل ذلك.
ويقال: {لَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} في بطن الحوت {لَلَبِثَ} أي: لمكث {فِى بَطْنِهِ} ولكان بطنه قبره {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} يعني: إلى يوم القيامة.
قوله عز وجل: {فنبذناه بالعراء} يعني: نبذه الحوت على ساحل البحر.
ويقال: بالفضاء على ظاهر الأرض.
وقال أهل اللغة: العراء هو المكان الخاليّ من البناء، والشجر، والنبات.
فكأنه من عرى الشيء {وَهُوَ سَقِيمٌ} يعني: مريض.
وذكر في الخبر أنه لم يبقَ له لحم، ولا ظفر، ولا شعر، فألقاه على الأرض كهيئة الطفل لا قوة له، وقد كان مكث في بطن الحوت أربعين يومًا.
ثم قال: {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ} قال مقاتل: يعني: من قرع.
وهكذا قال قتادة، ومجاهد.
وقال أهل اللغة: كل شيء ينبت بسطًا، فهو يقطين، هكذا قال الكلبي.
وذكر في الخبر أن وعلة كانت تختلف إليه، ويشرب من لبنها، فكان تحت ظل اليقطين، ويشرب من لبن الوعلة، يعني: بقرة الوحش حتى تقوى، ثم يبست تلك الشجرة، فاغتم لذلك، وحزن حزنًا شديدًا، وبكى فأوحى الله تعالى إليه إنك قد اغتتمت بيبس هذه الشجرة، فكيف لم تغتم بهلاك مائة ألف أو يزيدون؟ فذلك قوله: {وأرسلناه إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} يعني: كما أرسلناه قبل ذلك إلى قومه، وهم مائة ألف.
يعني: أهل نينوى {أَوْ يَزِيدُونَ}.
يعني: بل يزيدون.
ويقال: يعني: ويزيدون وكانوا مائة وعشرين ألفًا {فَئَامِنُواْ} يعني: لما جاءهم العذاب، أقروا وصدقوا، فصرف الله عنهم العذاب، فذلك قوله: {فمتعناهم إلى حِينٍ} يعني: أبقيناهم إلى منتهى آجالهم.